عندالغروب ...دمعة ...وذكرى

بسم الله .. والصلاة والسلام على خير خلق الله عليه الصلاة والسلام ...

عند الغروب ..

كنت فرحاً .. مسروراً .. منشرح الصدر بالهواء الجميل .. في بقعة من صحراء مكه .. فإذ بي أتذكر لحظات قد مضت وصوراً قد أنقضت .. توقف الفرح .. وأنلطق الحزن ليأخذ مكانه .. وليتبدل الهواء الجميل .. المبعث على النشاط .. إلى عبق يذكرني بالماضي .. بالأتراح .. والأفراح ..

كنت على وشك أن أجهش بالبكاء .. جلست على الأرض متأملاً .. حال الدنيا كيف مضت ؟ وكيف سارت ؟ وكم هي سريعة التحول ؟

قررت أن أنقل ما أجد من مشاعر وما أشعر به من أحاسيس في قوالب من الجمل منسوجة بكلمات نسجتها ..من .. من .. أعماق ذكريات قد مضت .. مسترجعاً كل صورة قد بدت .. معيداً للحزن مستعيداً له .. أكتب أحرفاً وامحوا كلمات ..

عندما أتذكر تلك الصور .. هكذا تكون مشاعري .. تضطرب .. تتنقل من حزن إلا ماوراءه .. ومن ضحك إلا صمت وشرود ذهن .. بحق هكذا أبدوا ..

عندما أتذكر تلك الصور وأنا في الهجيع الأخير من الليل .. وقبيل أن تصيح الديكة .. مؤذنة ومخبرة بأن وقت الفجر قد حان .. يتوقف كل شيء أفكر فيه .. تتحول كل حركة فيّ إلى سكون ..

والسبب .. تلك الذكريات والصور .. أبطاله هم أحبتٌ لي في الله .. كانوا نبراساً يضيء لي الحياة .. ومازالوا كذلك ..

لم أنسى تلك الأيام التي قضيتها معهم .. ترح .. فرح .. ضحك .. بكاء .. مزاح .. يصل لدرجة الــ ( عفاشة ) .. كل شيء .. لم أنسى تلك اللحظات الرائعات .. بحق .. هم من أفكر فيهم في مثل هذه الأوقات ..

لم أنسهم من الدعوات .. حتى في أحلك الظروف .. أدعوا لهم كلما تذكرت نفسي .. أدعوا لهم كلما التجأت إلى ربي .. عسى أن يرحمهم وأن يوفقهم وأن يجعلهم من أهل الفردوس الأعلى من الجنة ..

لم أنسى ردة فعل أحدهم .. عندما بكى من أجل كلمات عابرات ..

لم أنسى ردة فعل الآخر .. الذي بكى وبكل مرارة وحرارة من لوعة الفراق ..
لم أنسى وصية ذاك الراحل وهمسته في أذني .. لنكن مثلهم .. ولا نرضى بالهوان .. لنقدم ما يكمننا تقديمه.. فمضى في طريقه وحقق ما يريد .. وركعت وخضعت .. لهذه الحياة .. نال الشرف ومضى .. مذكراً إياي قول الشاعر:-
ومضيت نحو الموت مرتجل الخطى .. كمسير أهل الحب للميعاد
أقبل على ربي رحيم .. (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً ...) ..

أثناء نظري لغروب الشمس ظهرت أيقونة من الماضي تحكي صورة من تحول من حال إلى حال .. لم أنسى بكائه إماماً؛ ومأموما.. لم أنسى قيامه وحثه عليه .. لم أنسى مدى إعجابي به في همته في حفظ القرآن .. لم يزل صدى صوته الشجي في أعماق قلبي يتردد من فينة لأخرى .. كل هذا وأنا في مقتبل العمر .. فكانت بمثابة الدرس الأول في حياتي .. ودائماً ما يكون الدرس الأول محفوظاً .. بالأخص لو كان مليئاً بالإثارة .. الدرس كان بعنوان ( القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن ...) .. الثبات بيد الله سبحانه ..

زادني هذا الموقف ولله الحمد يقينا بأن الثبات من رب العباد .. صرت ألهج سائلا ربي الثبات .. حتى ألقاه ..

لم أكن لأنتهي من شرود ذهني لهفاً خلف صورة رفيق الصبا حتى برزت أيقونة أخرى .. تبرز صورة طيب الذكر ذا الوجه الوضاء وهو يوصيني بالتأني وتجنب العجلة .. والبعد عن تحكيم العاطفة .. لأنهما قد تسهمان في دهسك وقتلك .. وعلى أقل الأحوال بإعاقتك ..

كنت مستغرقاً في التفكير .. شارد الذهن .. متأملاً متنقلاً من صورة إلى صورة ..

حتى توقف ذهني عن عرض الصور والمواقف .. لأجد نفسي شارد الذهن مضطرباً ..

بقيت هذه الأحداث وهذه الصور عالقة في الذهن .. لم تفارق مخيلتي ..

تلفت حولي فإذا بي أجدني محاطاً بحفظ الله ورعايته ..بأن رزقني صحبة صالحة صادقة .. أجدهم بقربي دائماً ولو ابتعدت عنهم .. إلا أنهم سيبقون في القلب في زاوية منه غير منزويين بل هم في دمي يجرون ..

تذكرت قول الشاعر :
هزني الشوق الطروب هاجني ذكر الحبيب .. فـإذا قلبي لجوج وإذا دمعي سكيب.
صاحب كنا سوياً رغـم أشواك الدروب .. ننشر النور ونمحو ظلمة الليل الكئيب.

زدت أملاً وثقة بالله .. أنه لن يضيعنا .. وأن ذنوب الخلوات هي أعظم أسباب الانتكاسات ..

زاد يقيني بأن هذه الحياة دار عمل .. وهي كمسافر أستظل بظل شجرة ثم مضى وتركها .. عرفت حقيقة الحياة .. تعلمت بأننا لو كنا لا نخطأ ولا نذنب لذهب الله بنا .. وأتى بغيرنا يذنبون ويستغفرون ..

أيقنت بأن اليأس من الحياة .. هو هدف الشيطان لكي يصل لمآربه .. ويكسب التحدي ..

نسأله سبحانه الثبات والعون السداد .. وأن لا يجعلنا عظة بل متعظين .. فالسعيد من وعظ بغيره وأتعظ ..

ودمتم بخير وود .. وسلامة ..